منصف بربوش في حوار لجريدة الفجر التونسية


 بدأت علاقته بالسينما منذ كان صبيا عندما كان يسكن فوق سينما الحمراء بتونس العاصمة حين كانت أفلام "فجر الإسلام" و"إسلاماه" و"صلاح الدين الأيوبي" ملء السمع والبصر، وكانت تُسمّى في ذلك الزمان "super production". أخرج أول شريط بعنوان "فوق حدود العقل" عن قصة ليوسف إدريس صوّره في القاهرة مدّته عشرون دقيقة وهو في سن الثامنة والعشرين. درس في  القاهرة وهو خريج معهدها العالي للسينما سنة
1979. وأخرج "حصار بيروت" و"أليس الصبح بقريب" عن تاريخ الحركة الإسلامية بتونس، كأول فيلم تنتجه الحركة الإسلامية سنة 1985. ثم في سنة 1987 كان شريط و"نطق الحجر" وهو هدية من الحركة الإسلامية لفلسطين الانتفاضة المباركة بطلب من الشيخ راشد الغنوشي الذي قال : "القدس آية من آيات القرآن ومن ضيّعها فقد ضيّع القرآن". تم توزيع 35

ألف نسخة منه في أمريكا الشمالية بتوزيع من منظمة "أمل الفلسطينية". وبعد ذلك أنجز أشهر شريط  وثائقي "تونس 87" لتوثيق الملحمة البطولية التي خاضها تنظيم الاتجاه الإسلامي في مواجهة القمع البورقيبي. ثم تَلاه شريط "الشّهادة" عن شُهداء الحركة الإسلامية و"Tunisia on trial " وهو محاكمة للنظام التونسي في الغرب حضره برلمانيون كنديون، مخرجنا متخصص في الأشرطة الوثائقية وأنجز حوالي 17 عملا لا يعرف الجمهور التونسي منها إلا نزْرا يسيرا، هاجر المنصف بربوش قسرا إلى أوروبا وقضّى في المهجر المرير أكثر من عشرين عاما بعد محاكمة جائرة وملاحقات أمنية.

 

 

 

ما هي سمعة الأفلام التونسية في الغرب ؟

 

 

 

لا تهمّني سمعة السينما التونسيّة في الغرب، فالناس لا يعرفونها وهي قليلة العدد. وما يهمني حقا أن السينما التونسية لم تنصف حقيقة شعبها ولو في شريط واحد رغم الأموال التي رُصدت لها. فالسينما الهوليودية تمجّد الصّيني والسّينما الكورية تُمجّد الكوري والأمريكيّة تصوّره بطلا حقيقيا ولكن السينما التونسية لم تراع الإنسان في تونس وامتهنت كرامته ولم تصوّر قضاياه الحقيقية التي تؤرقه ولكنها صوّرته مهووسا بالجنس والجسد.

 

 

 

يرى الناقد السينمائي سمير فريد "أن السينما الهادفة هي التي يرى من خلالها المجتمع نفسه"، هل رأى التونسي نفسه في السينما التونسية ؟

 

 

 

لا بطبيعة الحال وعلى حدّ علمي أن أغلب الأفلام مصورة في الحمام، هم يسمونها سينما "tabou" ولكنها في الحقيقة سينما الابتذال. لم تصوّر مشاكل تونس الحقيقية من بطالة وتعذيب ورشوة ومحسوبية وانعدام التنمية وقمع تفاوت جهوي وتوريث السّلطة، ولم تبين السينما الوجه الايجابي في التونسيين فلنا قيم جميلة وأُسر حريصة على العلم ولنا مناضلين. فالتونسي لاح ذليلا في السينما لا قيمة له.

 

 

 

لو توفرت لك الإمكانيات والدّعم لإخراج شريط، ما يكون موضوعه ؟

 

 

 

لو كانت لي الفرصة والإمكانيات، لأنجزت شريطا حول هذه الثورة العجيبة، كنا في كندا نقوم بالمسيرات وكان رؤساء الأحزاب والمنظمات يقولون لنا أن تونس هي التي عبّدت الطريق للشعوب كي تتحرر. والغرب لا يمكنك أن تقنعه بالكتابة فقط وأمريكا لا تعمل سياسيا إلا من السينما والصورة  التي من خلالها وقع تشويه المسلم والعربي. وعلينا أن ننتج صورة مضادة نُدافع بها عن أنفسنا ونقدم صورة جميلة وحقيقية وإذا نجحنا في رسم هذه الصورة نكون قد وُفّقنا، و مشكلتنا أننا لا نستطيع أن نوصل أفكارنا للناس والعالم. فالغرب عندما يراك تثور بتلك الطريقة لست تستجدي احترامه،لأنك تفرضه عليه تنتزعه انتزاعا ومازال التشويه قائما، إذ أن بطل الثورة التونسية عند الغرب يُقدّم اليوم على أنه منتحر.

 

 

 

 ما هي المدارس السينمائية في كندا التي تروق لك، ومن هم أبرز المخرجين ؟

 

 

 

هناك المدرسة الواقعية والهوليودية، ولكن السينما في كندا ضعيفة عموما وليست قوية الإنتاج، ولكن الناس يقبلون على الفرجة جدا. ومحبو السينما موجودون دائما إذا كان العمل جيدا. قد تستغرب عندما ترى أن %70 من المشاهدين لفيلم كَرْتُوني هم من الكهول والشيوخ في كندا، و%30 من الأطفال. فهم يقبلون على كل الأنواع. و"مَاكْلرن" هو من أبرز المخرجين الذين قدموا أعمالا وثائقية وتجريبية وهو مخرج تجسيمي.

 

 

 

بعد مصطفى العقاد وشريطي "الرسالة" و"عمر المختار" افتقدت الساحة الإسلامية لعمل يأسر الذاكرة، مار أيكم ؟

 

 

 

قبل موته بأسبوع، صرّح العقاد : "والله لو كنت أعلم أن ردة الفعل لدى الغرب ستكون مغايرة لردة الفعل لدى الشرق ما كنت لأخرجه بذلك الشكل ولكنت سلكت طريقا آخر في إخراجه". وكان يقصد أن الشريط رغم كل حبّ المسلمين له، وكل العلاقة الحميمة به في العالم العربي والإسلامي، فإنه قدم صورة مشوهة عن النبي للغرب لأنّ الثقل الكبير في الشريط هو للمعارك والقبائل. ولذلك قال : "لو استدبرت من عمري ما استقبلت، لأخرجته بطريقة أخرى وركّزت على البعد الإنساني في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم واهتممت بعلاقاته الإنسانية، فالمشكلة كيف نقدم النبي للناس ؟

 

 

 

أنصفت أفلام غربية الإسلام أكثر من العرب أنفسهم، مثل شريط Babel  الذي كان بطله "براد بيت"، كيف تفسّر هذا ؟ 

 

 

 

هذا صحيح، وكما توجد أفلام تسيء إلى الإسلام توجد أخرى تنصفه، فشريط "the legacy of prophet  " وشريط "The empire of faith " وهما من إنتاج قناة "BBS" الأمريكية. فالشريط الثاني ركّـز على التقوى والإيمان وقيمتهما في إمبراطورية الإسلام العظيمة وكيف يصنع الإيمان الحضارة ويوجّه سلوكها.  وكذلك الأمر بالنسبة للشريط الأول وهم تروي العظمة النبوية وكان الفيلم من إخراج مجموعة من المسلمين بالتعاون مع الشركة المذكورة.

 

 

 

هل أنت مع تجسيد الأنبياء في الأفلام ومن أقنعك من المخرجين العرب والأعاجم ؟

 

 

 

أنا مع الرقابة الرشيدة لحماية الأجيال ولست مع تجسيد الأنبياء والذات الإلهية والرسل، فهذه مقدسات الأمة وهي خط أحمر لا يمكن لمسه. ولكني ضدّ تدخل الحكومة في كل شيء في الأعمال الفنية والإبداع باسم الرقابة، فتدخلها تدخل معنوي ومادي لدعم الإنتاج وفي كل بلاد العالم نجد الدولة هي التي تتدخل في الميدان الفني من أجل دعمه وكذلك يفعل رأسمال من أجل ذلك أيضا. أما عن المخرجين العرب فأنا أرى "صلاح أبو سيف" و"يوسف شاهين" من أفضل المخرجين. بينما في الغرب فيعجبني "فيليني الايطالي" و"كلود شارون" الذي أبهرني بتوظيف التقنيات و"تريفو" فهؤلاء عظماء حقيقة ولا يمكن تعويضهم بسهولة.

 

 

 

ما الذي تغير في الجماهير وأذواقها ؟

 

 

 

الجمهور يُقصف يوميا بالمعلومات وصار أكثر اشتراطا وانتقائية وليست أية صورة قادرة على شدّه وإقناعه وهنا المشكلة الحقيقية. فلو كنت في غرفة سجن مثلا وقدم لك أحدهم لمجة ملفوفة في صحيفة، لقرأت الصحيفة بعد تناول اللمجة لأنك لا تملك غيرها للقراءة، أما إذا كان لك فيديو وانترنت في الغرفة ما كنت تنتبه للصحيفة أصلا، فالانتقائية هي حتمية الوفرة.