حوار مع NAVIGOPRESSE


 المخرج منصف بربوش إسم كبير في في عالم السينما ذاع صيته في كندا و لم يلق حظه في بلاده تونس التي هجر منها قسراً في أوائل التسعينات لأن مواضيعه كانت لا ترضي نظام بن علي .و الآن و بعد ثورة 14 جانفي رجع إلى تونس كله شوق لأحضان بلاده و أمل في المشاركة في الحياة الفنية التونسية التي غاب عنها غصبا عنه.

في مقابلة أجريناها معه كان رجلا ينبض شبابا و حيوية و مازال في عدسته ما يستطيع أن يغير موازين السينما و ينهض بها إلى مستوى يليق بتونس الجديدة.و كان الحوار كالآتي : **أرحب بك أستاذ و أسألك قبل كل شيء عن نشأتك و بداياتك مع السينما؟ بدأت حكايتي مع

السينما مبكرا مع سينما اسمها "سينما لمبرة" موجودة في شارع الجزيرة و كانت على ملك لأخوالي، و كنت أسكن فوق هذه السينما أيام كانت السينما المصرية تنتج انتجات كبيرة أذكر منها : وا إسلاماه، صلاح الدين الأيوبي...و أسماء عظيمة برزت وقتها منها زكي طليمات، المليجي.. و كنت أشاهد جميع العروض بتشجيع من خالي الذي أوصى عني بائع التذاكر فكنت أشاهد العرض حتى مرتين في اليوم .فبدأ حب السينما يكبر في نفسي يوماً بعد يوم و خاصةً حبي للتعرف على التقنيات. درست في الحقيقة الإقتصاد من ثم التجارة و عند تخرجي سلمت الشهادة إلى والدي و توجهت نحو القاهرة سنة 1972 لدراسة السينما وتخرجت في دفعة 1979 . بدأت مسيرتي الفنية بفيلم قصير عنوانه "فوق حدود العقل"عن قصة للدكتور يوسف إدريس تحكي عن الوضع الإقتصادي و السياسي في مصر بعد حرب 1973 . ثم رجعت إلى تونس في بداية الثمانينات و بدأت احتك بالوسط الفني و شاركت في بعض الأعمال مع المنصف البلدي و الأستاذ ابراهيم باباي رحمه الله...بعدها بدأت في الإخراج مع فيلم "حصار بيروت" ثم فيلم "الصمود" وهو إنتاج مشترك بين التلفزة التونسية و منظمة التحرير الفلسطينية و اهتممت أيضاً بالأفلام الوثائقية . و اعمالي في تونس و العالم العربي دائماً صبت في موضوعين الأول القضية الفلسطينية و الثاني الإسلام و أهله أما في الخارج فاهتممت بالبرامج الإخبارية. ***لو حدثتنا قليلاً عن واقع السينما التونسية و تقييمك لمردود السينمائيين في السنوات الأخيرة ؟ في بداية الثمانينات كنت مستبشراً جداً لواقع السينما حيث دخل إلى تونس كثير من المخرجين الذين درسوا السينما في المعاهد العليا في فرنسا أو مصر. لكنهم للأسف لم يلتصقوا بالشعب و لم يدافعوا عن همومه و مشاغله. السينمائي مثله مثل أي فنان مثل الرسام، الشاعر... من المفروض أن تأخذ هموم الشعب و الأمة حيزاً هاما من مواضيعه و هذا ما لم نره للأسف في السينما التونسية. زيادةً على هذا فإن التعامل مع وزارة الثقافة و الهيئات الخاصة بالإنتاج السينمائي ليس تعامل سهل.فإن لم تكن عواماً ماهراً فلن تستطيع الصمود خاصةً وإن كانت مواضيعك لا ترضي النظام. كذلك أصبح ميدان الإنتاج بؤرة فساد لإهدار أموال الدولة. أنا أتذكر بعض الأشخاص و لا داعي ذكر الأسماء ، أيام كنت عضو في هيئة السينمائيين التونسيين و تابعت عديد الاجتماعات إلى أن غادرت غصباً عني و هربت إلى خارج تونس سنة 1990 ، كان من يستعمل ميزانية الفلم لشراء السيارات، المنازل... فبدأ هذا يعكس شيئاً فشيئاً عدم جودة السينما التونسية. و من أكثر الأشياء التي تثير استغرابي عدم وجود عدد كبير من قاعات السينما على عكس دول أخرى منها إيران التي فيها ما يقارب 400 قاعة قاعاتنا في تونس تنقص يوماً بعد يوم و أغلبية الإنتاج موجه و متأثر بالواقع السياسي . **كيف عشت الثورة التونسية و ماذا تمثل لك كرجل سينما ؟ عشت الثورة بشقيها بشقها الذي أثر بي كإنسان هجرت قصراً من بلدي و ما فتحت لي من آمال للرجعة للبلاد و رؤية الأقارب و الأحباب ، و كذلك الأمل أني سأستطيع تحقيق ما حرمت من تحقيقه في شبابي. في تلك الفترة عشت ثورة الشعب التونسي نفساً بنفس حتى أني أقضي كامل اليوم أتابع الأخبار. وقد ألهمني تسارع الإحداث لكتابة شعر تحدثت فيه عن كل ما خالجني من مشاعر أيام الثورة و رغم بساطته كان له وقع في نفوس الكثيرين. **عشنا بعد الثورة و خاصةً في المجال الفني جدلاً حول مسألة حرية التعبير بين ماهو مطلق و ماهو مقيد. فماهو رأيك في هذا الموضوع ؟ أنا عموماً لا أريد تدخل أي طرف في أي عمل فني. وأرى أن الفن لا يكون حراً و فيه انطلاقة عند وجود قيود. هذه هي القاعدة الأساسية لكن ما عدى ذلك أنا مع الرقابة الرشيدة التي لا تراقب من أجل تعطيل الفنان أو إملاءات عليه و لكن من أجل حفظ خطوط حمراء , من ضمنها المقدسات, أو من اجل تشجيع و دعم المشاريع الفنية. وشخصيا اعتبر أن مبدأ "حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية غيرنا" هو مبدأ إنساني على كل البشر احترامه. ** هل ترى أن الرقابة السنيمائية تضع حداً لحرية المبدع ؟ اعتبر إن الرقابة السينمائية تحد من انطلاقة المبدع و لكن هناك حدود يجب أن توضع إذا كنا نريد أن نصون مجتمعا و نحترمه. لان المجتمعات قائمة على أعراف و أخلاق و مكاسب اجتماعية... لا يمكن تجاهلها. ** "إن السنيما سياسة و كل ماهو خارج عن السياسة فهو دون شك خارج عن المعنى الحقيقي للسينما " هكذا قال أحد المخرجين التونسيين. فحسب رأيك ماهي علاقة الفن بالسياسة ؟ صحيح أن السينما فيها تعبير عن موقف معين فلا بد أن تكون للسياسة تأثير على أعمال السينمائي. وفي أغلب الأحيان الموضوعية محدودة حسب توجهات الفنان .و لكن حسب رأيي كلما تدخلت السياسة في العمل الفني تنقص من أهميته. السياسة شيء و الفن شيء آخر و لكنها تؤثر نوعيا على أعمال الفنان.وعلى سبيل المثال فان أروع الأفلام في العالم هي تلك التي تحمل أحاسيس و مشاعر حتى وان كانت فكرتها بسيطة. **في إحدى مقالاتك الأخيرة تحدثت عن مشروع حلمت بتنفيذه و لكنه وئد قبل ولادته ألا و وهو إنتاج سلسلة أفلام بعنوان "ذاكرة وطنية" و قد تطرقت في ذلك المقال عن إحدى الشخصيات الوطنية التي لم تلقى حظها لا في عهد برقيبة و لا في عهد بن علي و هي بشيرة بن مراد.فهل مازال مشروعك قائماً؟ و إن نعم أين وصلت في انتاجه؟ إن شاء الله . تقريبا هي آخر أمنياتي.اعترف أني خسرت الكثير من عمري في صراع مع النظام السابق تقريبا 21 سنة و كان من المفروض ,عوضا عن ما أنتجته في كندا, أني أنتجت أفلاما تهم وطني و لكن الحمد لله عن كل حال. مشروع ذاكرة وطنية هو مشروع ضخم كنت قد بدأت به سنة 1989 حيث فكرنا في استغلال آخر عناقيد الحقبة البرقيبية من الرجال و النساء اللذين اضطهدوا ليسردوا لنا الرواية الحقيقة أو الوجه الآخر للحقيقة و من هؤلاء محمد صالح النيفر,محمد البدوي , بشيرة بن مراد... رحمهم الله . أسأل الله أن يرى هذا المشروع النور.